فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}
نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته لأنه المقدم عليهم فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب وقيل معناه يا أيها النبي قل لأمتك فأضمر القول {إذا طلقتم النساء} أي إذا أردتم تطليقهن {فطلقوهن لعدتهن} أي لزمان عدتهن وهو الطهر لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها وتحصل في العدة عقيب الطلاق فلا يطول عليها زمان العدة وكان ابن عباس وابن عمر يقرأن {فطلقوهن في قبل عدتهن} وهذا في المدخول بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض.
(ق) عن ابن عمر «أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» زاد في رواية «كان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي رواية لمسلم «إنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا» ولمسلم من حديث أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل عمر وأبو الزبير يسمع كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن».
فصل:
اعلم أن الطلاق في حال الحيض والنفاس بدعة وكذلك في الطهر الذي جامعها فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وإن شاء طلق قبل أن يمس، والطلاق السني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وهذا في حق امرأة تلزمها العدة بالأقراء فأما إذا طلق غير المدخول بها في حال الحيض أو طلق الصغيرة التي لم تحض أو الآيسة بعد ما جامعها أو طلق الحامل بعد ما جامعها أو طلق التي لم تر الدم لا يكون بدعيا ولا سنة، ولا بدعة في طلاق هؤلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا»
والخلع في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه لا يكون بدعيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لثابت بن قيس في مخالعة زوجته قبل أن يعرف حالها ولولا جوازه في جميع الأحوال لأمره أن يتعرف الحال؛ ولو طلق امرأته في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه قصدا عصى الله تعالى ووقع الطلاق لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لم يأمره بالمراجعة، وإذا راجعها في حال الحيض يجوز أن يطلقها في حال الطهر الذي يعقب تلك الحيضة قبل المسيس كما رواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين عن ابن عمر ولم يقولا ثم تحيض ثم تطهر وما رواه نافع عن ابن عمر ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فأمر استحباب استحب تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني حتى لا تكون مراجعته إياها للطلاق كما أنه يكره النكاح للطلاق، ولا بدعة في الجمع بين الطلقات الثلاث عند بعض أهل العلم فلو طلق امرأته في حال الطهر ثلاثا لا يكون بدعيا وهو قول الشافعي وأحمد وذهب بعضهم إلى أنه بدعة وهو قول مالك وأصحاب الرأي.
قوله تعالى: {وأحصوا العدة} أي عدة أقرائها فاحفظوها؛ قيل أمر بإحصاء العدة لتفريق الطلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثا، وقيل للعلم ببقاء زمان الرجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى {واتقوا الله ربكم} أي واخشوا الله ولا تعصوه فيما أمركم به {لا تخرجوهن من بيوتهن} يعني إذا كان المسكن الذي طلقها فيه الزوج له بملك أو إكراء وإن كان عارية فارتجعت كان على الزوج أن يكري لها منزلا غيره ولا يجوز للزوج أن يخرج المرأة من المسكن الذي طلقها فيه {ولا يخرجن} يعني ولا يجوز للمرأة أن تخرج ما لم تنقض عدتها لحق الله تعالى فإن خرجت لغير ضرورة أثمت فإن وقعت ضرورة بأن خافت هدما أو غرقا جاز لها أن تخرج إلى منزل آخر وكذلك إذا كان لها حاجة ضرورية من بيع غزل أو شراء قطن جاز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا، يدل على ذلك أن رجالا استشهدوا بأحد فقالت نساؤهم نستوحش في بيوتنا فأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل امرأة إلى بيتها وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالة جابر وقد كان طلقها زوجها أن تخرج لجذاذ نخلها فإذا لزمتها العدة في السفر تعتد في أهلها ذاهبة وراجعة والبدوية تتبوأ حيث يتبوأ أهلها في العدة لأن الانتقال في حقهم كالإقامة في حق المقيم.
وقوله تعالى: {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} قال ابن عباس: الفاحشة المبينة بذاءتها على أهل زوجها فيحل إخراجها لسوء خلقها وقيل أراد بالفاحشة أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ثم ترد إلى منزلها يروى ذلك عن ابن مسعود وقيل معناه إلا أن يطلقها على نشوزها فلها أن تتحول من بيت زوجها والفاحشة النشوز وقيل خروجها قبل انقضاء عدتها فاحشة {وتلك حدود الله} يعني ما ذكر من سنة الطلاق وما بعده من الأحكام {ومن يتعد حدود الله} أي فيطلق لغير السنة أو تجاوز هذه الأحكام {فقد ظلم نفسه} أي ضر نفسه {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} أي يوقع في قلب الزوج مراجعتها بعد الطلقة والطلقتين وهذا يدل على أن المستحب أن يفرق الطلقات ولا يوقع الثلاث دفعة واحدة حتى إذا ندم أمكنه المراجعة.
قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} أي إذا قربن من انقضاء عدتهن {فأمسكوهن} أي راجعوهن {بمعروف أو فارقوهن بمعروف} أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهم فيبن منكم {وأشهدوا ذوي عدل منكم} أي على الرجعة وعلى الفراق أمر بالإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق.
عن عمران بن حصين أنه سئل عن رجل يطلق امرأته ثم يقع عليها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد.
أخرجه أبو داود وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كما في قوله وأشهدوا إذا تبايعتم وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة وفائدة هذا الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد وأن لا يتهم في إمساكها وأن لا يموت أحد الزوجين فيدعي الآخر ثبوت الزوجية ليرث؛ وقيل أمر بالإشهاد للاحتياط مخافة أن تنكر الزوجة المراجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجا غيره {وأقيموا الشهادة} يعني أيها الشهود {لله} أي طلبا لمرضاة الله وقياما بوصيته والمعنى اشهدوا بالحق وأدوها على الصحة {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا} قيل معناه ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجا إلى الرجعة.
وقال أكثر المفسرين: نزلت في عوف بن مالك أسر ابن له يسمى مالكا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أسر العدو ابني وشكا إليه أيضا فاقة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله» ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب منهم إبلا وجاء بها إلى أبيه.
وعن ابن عباس قال: غفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} أي في ابنه.
{ويرزقه من حيث لا يحتسب} يعني ما ساق من الغنم وقيل أصاب غنما ومتاعا ثم رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر وسأله أيحل له أن يأكل ما أتى به ابنه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «نعم» ونزلت الآية.
وقال ابن مسعود {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} من كل شيء {ويرزقه من حيث لا يحتسب} هو أن يعلم أنه من قبل الله وأن الله رازقه.
وقال الربيع بن خثيم يجعل له محرجا من كل شيء ضاق على الناس.
وقيل مخرجا من كل شدة وقيل مخرجا عما نهاه الله عنه.
{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} يعني من يتق الله فيما نابه كفاه ما أهمه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» {إن الله بالغ أمره} أي منفذ أمره وممض في خلقه ما قضاه {قد جعل الله لكل شيء قدرا} أي جعل لكل شيء من شدة أو رخاء أجلا ينتهى إليه.
وقال مسروق في هذه الآية إن الله بالغ أمره توكل عليه أم لم يتوكل عليه غير أن المتوكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا.
قوله: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} قيل لما نزلت {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري يا رسول الله فما عدة من تحيض والتي لم تحض وعدة الحبلى فأنزل الله: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} يني القواعد اللاتي قعدن عن الحيض فلا يرجى أن يحضن وهن العجائز الآيسات من الحيض {إن ارتبتم} أي شككتم في حكمهن ولم تدروا ما عدتهن {فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} يعني الصغائر اللاتي لم يحضن بعد فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر أما الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغ سن الآيسات فذهب أكثر أهل العلم إلى أن عدتها لا تنقضي حتى يعاودها الدم فتعتد بثلاثة أقراء وتبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة أشهر وهذا قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن عمر أنها تتربص تسعة أشهر فإن لم تحض فتعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك وقال الحسن تتربص سنة فإن لم تحض فتعتد بثلاثة أشهر وهذا كله في عدة الطلاق وأما المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر سواء كانت ممن تحيض أو لا تحيض وأما الحامل فعدتها بوضع الحمل سواء طلقها زوجها أو مات عنها وهو قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}.
(ق) عن سبيعة الأسلمية «أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح وأنت والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حتى أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي» لفظ البخاري ولمسلم نحوه.
وزاد قال ابن شهاب ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنها لا يقربها زوجها حتى تطهر {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} أي يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة {ذلك} أي ذلك ذكر من الأحكام {أمر الله أنزله إليكم} أي لتعلموا به {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}
قوله تعالى: {أسكنوهن} يعني مطلقات نسائكم {من حيث سكنتم من وجدكم} أي من سعتكم وطاقتكم فإن كان موسرا يوسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان فقيرا فعلى قدر الطاقة {ولا تضاروهن} أي لا تؤذوهن {لتضيقوا عليهن} يعني في مساكنهن فيخرجن {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} أي فيخرجن من عدتهن.
فصل في حكم الآية:
اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة ونعني بالسكنى مؤنة السكنى فإن كانت الدار التي طلقها الزوج فيها ملك الزوج يجب عليه أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري لها دارا تسكنها وأما المعتدة البائنة بالخلع أو بالطلاق الثلاث أو باللعان فلها السكنى حاملا كانت أو غير حامل عند أكثر أهل العلم وروي عن ابن عباس أنه قال لا سكنى لها إلا أن تكون حاملا وهو قول الحسن والشعبي.
واختلفوا في نفقتها فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، يروى ذلك، عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وبه قال الشافعي وأحمد ومنهم من أوجبها بكل حال يروى ذلك عن ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق النفقة إلا أن تكون حاملا لقوله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} وأما الدليل على ذلك من السنة فما روي عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها «ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فإذا حللت فآذنيني» قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به» أخرجه مسلم واحتج بهذا الحديث من لم يجعل لها سكنى وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت عبد الله بن أم مكتوم ولا حجة له فيه لما روي عن عائشة أنها قالت كانت فاطمة في مكان وحش فخيف على ناحيتها وقال سعيد بن المسيب إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها وكان في لسانها ذرابة: وأما المعتدة عن وطء الشهبة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملا وأما المعتدة عن وفاة الزوج فلا نفقة لها عند أكثر أهل العلم وروي عن علي أن لها النفقة إن كانت حاملا من التركة حتى تضع وهو قول شريح والشعبي والنخعي والثوري.
واختلفوا في سكناها وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه لا سكنى لها بل تعتد حيث تشاء وهو قول علي وابن عباس وعائشة وبه قال عطاء والحسن وهو قول أبي حنيفة.
والثاني: أن لها السكنى وهو قول عمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبه قال مالك والثوري وأحمد وإسحاق.
واحتج من أوجب لها السكنى بما روي عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري «أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إليّ فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به» أخرجه أبو داود والترمذي، فمن قال بهذا القول قال إذنه لفريعة أولا بالرجوع صار منسوخا بقوله آخرا «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله» ومن لم يوجب السكنى قال أمرها بالمكث في بيتها آخرا استحبابا لا وجوبا.
قوله: {فإن أرضعن لكم} يعني أولادكم {فآتوهن أجورهن} يعني على إرضاعهن، وفيه دليل على أن اللبن وإن كان قد خلق لمكان الولد فهو ملك للأم وإلا لم يكن لها أن تأخذ عليه أجرا وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد {وأتمروا بينكم بمعروف} أي ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف وقيل يتراضى الأب والأم على أجر مسمى والخطاب للزوجين جميعا أمرهم أن يأتوا بالمعروف وما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار، وقيل المعروف هاهنا لا أن يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا المرأة في حق الولد ورضاعه {وإن تعاسرتم} أي في حق الولد وأجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي المرأة أجرة رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه بل يستأجر للصبي مرضعا غير أمه وذلك قوله: {فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته} أي على قدر غناه {ومن قدر} أي ضيق {عليه رزقه} فكان بمقدار القوت {فلينفق مما آتاه الله} أي على قدر ما آتاه الله من المال {لا يكلف الله نفسا} أي في النفقة {إلا ما آتاها} يعني من المال والمعنى لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني في النفقة {سيجعل الله بعد عسر يسرا} أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة.
{وكأين من قرية عتت} أي عصت وطغت والمراد أهل القرية {عن أمر ربها ورسله} أي وأمر رسله {فحاسبناها حسابا شديدا} أي بالمناقشة والاستقصاء وقيل حاسبها بعملها في الكفر فجزاها النار وهو قوله: {وعذبناها عذابا نكرا} أي منكرا فظيعا وقيل في الآية تقديم وتأخير مجازها فعذبناها في الدنيا بالجوع والقحط والسيف وسائر أنواع البلاء وحاسبناها في الآخرة حسابا شديدا {فذاقت وبال أمرها} أي شدة أمرها وجزاء كفرها {وكان عاقبة أمرها خسرا} أي خسرانا في الدنيا والآخرة {أعد الله لهم عذابا شديدا} يخوف كفار مكة أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأمم الماضية {فاتقوا الله يا أولي الألباب} أي يا ذوي العقول ثم نعتهم فقال تعالى: {الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا} يعني القرآن {رسولا} أي وأرسل إليكم رسولا {يتلوا عليكم آيات الله مبينات} قرئ مبينات بالخفض أي تبين الحلال من الحرام والأمر والنهي وقرئ بالنصب ومعناه أنها واضحات {ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتا الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} يعني الجنة التي لا ينقطع نعيمها وقيل يرزقون طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة {الله الذي خلق سبع سموات} يعني بعضها فوق بعض {ومن الأرض مثلهن} أي في العدد {يتنزل الأمر بينهن} أي الوحي إلى خلقه من السماء العليا إلى الأرض السفلى وقيل هو ما يدبر فيهن من عجائب تدبيره ينزل المطر ويخرج النبات ويأتي بالليل والنهار وبالصيف والشتاء ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاته وينقله من حال إلى حال فيحكم بحياة بعض وموت بعض وسلامة هذا وهلاك هذا، وقيل في كل سماء من سمواته وأرض من أرضيه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء لا تخفى عليه خافية وأنه قادر على الإنشاء بعد الإفناء وكل الكائنات جارية تحت قدرته داخلة في علمه والله تعالى أعلم. اهـ.